سكون الواقع وضجيج المواقع | احمد الحربي

سكون الواقع وضجيج المواقع

"الدنيا ولعت والبلد في ستين داهية" هذا ما يتبادر لذهن المتصفح البسيط لمواقع التواصل الاجتماعي قبل أيام عقب رواج هاشتاج (وسم) يشي أن الفوضى اجتاحت الأرجاء، وأن "الثورة" حلت بالدار.!

في صباح يوم "ثورة الريتويت" تلك نفضت النوم عن عينيَّ، وفتحت شبابيك النافذة على عجل، أشرف على المكان، فإذا بيت جارنا لم يحترق بعد، وبقالة الحي مفتوحة لم توصد أبوابها، وجارنا صاحب المقهى بيده فنجان شاي عدني ويغني "صباح الخير من بدري.. أحبك وانت ماتدري".

هذه حادثة واحدة ولكل منا حوادث قرأها على مواقع التواصل الاجتماعي، تبين لاحقا أنها لم تكن شيئا مذكورا، وأنها مجرد نسج من خيال، أو مجرد حادثة تويترية، حدثت في ذهن كاتبها لا غير.

يقولون أن نصف الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي كاذبة، وأن نصفها الآخر غير صادقة، ويقولون أن نصف المعلومات المنشورة على هذه المواقع خاطئةـ ونصفها الآخر غير صائبة.. وأنا أتفق.

هناك فجوة واسعة وبون شاسع بين ما يحدث في الواقع المعاش وبين ما ينشر في مواقع التواصل الاجتماعي، فإما نجد التهويل والتضخيم لبعض الأحداث، أو النكران الجاحد لأحداث أخرى، والواقع يكذب كلا الحالتين.

ولك _عزيزي القارئ_ أن تعود بالذاكرة لتتذكر كم شخص قتله الفيسبوك وهو لايزال _واقعا_ يرفل في ثياب العافية، وكم مجرم مدان في تويتر.. بريء في الواقع براءة الذئب من دم ابن يعقوب، وكم ضارب معتدي في مقطع على يوتيوب تبين أنه مضروب معتدى عليه فيما بعد، وكم مسؤول أقيل برسالة واتس أب، وهو في الحقيقة على كرسيه ينهى ويأمر.

كنت قبل يومين أتصفح موقع الفيسبوك، وفجأة استوقفني خبر صادم عن صديق عزيز،  أكن له أعمق الحب والتقدير، يقول الخبر: أن محمداً قد لقي حتفه أثناء محاولته إنقاذ طفل سقط في بركة ماء، يا ألله! نزل الخبر علي كالصاعقة، ماذا؟ هل مات محمد؟ ولماذا يموت؟ أستغفر الله.. هللت وحوقلت واسترجعت "لله ما أعطى وله ما أخذ" هذه سنة الحياة وكلنا إلى فناء، يكفي أن محمداً مات في مهمة شريفة.

وبعد أن نضبت دموع عيني، حاولت أن أستجمع نفسي وأسترد قواي، وأخذت هاتفي أتصل على والد محمد أقدم له واجب العزاء.. يرن الهاتف وقلبي في اضطراب من هول الفاجعة.. ألو أبى محمد.. عظم الله أجركم وأحسن عزاءكم في فقيدنا، اصبر واحتسب.. ثم أطنبت في التعزية عسى أن أجبر خاطره المكسور.. لكن أبى محمد يصيح بأعلى صوته حتى كاد حلقه ينشق: ماذا تقول؟ هل جننت؟ خذ محمداً وسلم عليه.!

محمد بخير والطفل في حضن أمه يضحك، لقد سقطت قطة وأنقذها أخ محمد الصغير، لكن للفيسبوك رأي مختلف، الفيسبوك يحب "الأكشن" وهل يمكن أن يتصفحه أحد لولا الإثارة الخادعة والمبالغة المرغوبة؟!

وخلاصة القول _عزيزي القارئ_ ليس كل ما هو مكتوب صحيح، وليس ما ينشر حقيقة لا تحتمل الكذب، ونحن لا نقول لك: قاطع هذه المواقع، ولكن تصفح بيد، وأمسك باليد الأخرى غربالين.

تم عمل هذا الموقع بواسطة